إذا نظرنا إلى الروح وإلى اللذين يختارون الالم أو العنف – هل تفهم الروح الألم الجسدى ؟ هل تفهم إحساس الجسد بالألم ؟
أعتقد أن الروح تفهم كل شىء. الروح تفهم مختلف جوانب التجربة البشرية. إنها لا تشعر بالألم لكنها تعرف كيف يكون. مثال ذلك أن تشاهد فيلم فترى مشهدا عنيفا على الشاشة. أنت لا تشعر بالألم قطعا فأنت تشاهد فيلم لكنك تدرك كيف يكون. أنت تفهمه وتعرف كيف يشعرك. ما من روح لا تدرك كيف تكون التجرية البشرية بكل جوانبها: السعادة والألم والحزن والأسى والفرح والإبتهاج. جميع الأرواح تدرك كيف يكون الأحساس بتلك المشاعر وإن كانت لا تشعر بها فعلا, مثلما لا تشعر أنت بشىء عندما تشاهد فيلم.
الروح تفهم لكنها لا تشعر. أليست هذه مشكلة ؟
لا, لأن إدراك الروح أكثر عمقا من إدراك البشر. الرحلة البشرية هى السعى للوصول إلى فهم ما تفهمه الروح وطريقتها فى الفهم… نسمى تلك العملية الإرتقاء. الروح تفهم كلية جميع جوانب الحياة البشرية, ليس من موقع بعيد سلبى مجرد من الإحساس لكن العكس تماما – من موقع حاضر ومتفاعل ومدرك تماما.
هل تستطيع الروح السفر إلى أماكن مختلفة ثم العودة إلى الجسد ؟
أعتقد ذلك . أعتقد أن الروح بالفعل تترك الجسد الهامد أثناء رقوده على الفراش أو على الأرض مثلا. يجب فهم أن الروح قادرة على فعل أكثر ما نتصور فهى مثلا تستطيع الإنقسام على نفسها. أو بعبارة أخرى بالقياس البشرى, 90% من الروح تستطيع ترك الجسد والسفر إلى أماكن أخرى بل حتى عوالم وأبعاد أخرى, تاركة 10% من ذاتها داخل الجسد وهذة نسبة تكفى لتجديد طاقة الجسد أثناء النوم.
نحن نفكر بطريقة مبسطة. نقول, يا الهى! يا الهى, إذا غادرت الروح سيترك الجسد خاويا! سيصبح جسد بلا روح. البشر يفكرون يأسلوب مبسط فالشىء يكون إما أسود أو أبيض, موجود او غير موجود. البشر يفكرون بطريقة بدائية للغاية. فى الواقع الكون ليس بدائيا. الكون معقد ومركب للغاية. سألتنى هل تستطيع الروح مغادرة الجسد والسفر إلى أماكن أخرى؟ الإجابة هى نعم. لكن سؤالك الحقيقى هو: أمن الممكن أن تغادر الروح الجسد وتظل فيه فى آن واحد؟ الإجابة أيضا هى نعم.
هل تستطيع الروح الدخول إلى وعى الكائنات الحية الآخيرى؟ لا أعنى وعى بشر آخرين بل كائنات أخرى.
إنها تستطيع التلاحم معها والإتصال بها لكن ليس بدون دعوة من الكائنات الأخرى وموافقتها. ما من شىء فى الحياة يخضع لأمرما دون إختياره. لذا لا وجود لمن نسميهم ضحايا. ما من ضحايا فى العالم. ما من أشرار فى العالم. هل يمكن أن تتلاحم الروح مع روح أخرى؟ أجل لكن ليس إلا بسماح تام من الروح الآخرى وإدراكها الكامل وقبولها التام.
إنها حرية الإرادة.
أجل. ما من شىء يحدث لأية روح من خلق الله إلا ما تقبله وتسمح به فلكل مخلوق درجة من حرية الإرادة تساوى إرادة الله ذاته. لدينا جميعا حرية إرادة وكل ما يحدث لنا يكون بإرادتنا. ما من أمر ما يحدث فى حياتنا لو لم نوافق عليه.
بمرور الوقت قد يصبح العقل ناضجا قادرا على استيعاب وفهم منظور الروح. هدف العقل البشرى الذى لم يحقق بعد ذلك النضج هو النمو, توسيع آفاق الإدراك حتى يكتسب القدرة على فهم الروح.
عقول أغلب البشر رؤيتها محدودة فلا تفهم سبب حدوث الأمور ويبدو أننا ننكر حرية إرادتنا. غياب حرية الإرادة إنما وهم. ما من شىء يحدث فى حياة المرء إلا بموافقة وسماح الروح, حتى على مستوى الأفعال الخلاقة المشتركة. عندما أوافق على كل ما يحدث, تندمج الطاقة المقابلة بطاقة التجربة التى أخوضها لتصبح أكثر عمقا. معارضتنا للأشياء إنما يمكًنها. كما أقول فى “حوارات مع الله”, إذا قاومتها داومتها. يختفى فقط كل ما تتأمله وتراه على حقيقته المجردة, فيفقد قوته الوهمية.
هكذا تعلمت أن ما يحدث فى حياتى يحدث لأننى أوافق عليه. السؤال هو: لماذا أوافق عليه ؟ تكون الإجابة دائما: من أجل الإرتقاء, لإستحضار بعض الذكرى وتوسيع إدراكى لأشياء إضافية فى هذه التجربة المعقدة التى نسميها الحياة.
لماذا وافقت على ما يحدث لى؟ لأننى من خلال تلك التجربة أنتفل إلى مستوى أعلى من التعبير عما أكون حقيقة. هذا هو هدف ومسعى وجودى داخل الجسد الآدمى. لذا فأنا أرى أن الموافقة على ما يحدث لى عملية تصنع السلام.
لا يعنى ذلك ألا أحاول تغيير ما يحدث لكن الوسيلة الأسرع لتغيير الشىء هى عدم معارضته. ما تعارضه يعارضك. ما تقاومه يقاومك. تستطيع فقط تغيير ما توافق عليه لأن موافقتك عليه تجعلك تدرك أن ذلك الشىء خلق بقدرتك بالأساس فتصير أقوى منه. وإما ستعتقد أنك بلا حول ولا قوة. لكن إذا أدركت أنك خلقت ذلك الشىء أو خلقته بالإشتراك مع المحيطين بك ستجد نفسك فى مقعد القيادة. ستجد نفسك فى مركز قوة تقول: ما صنعته أستطيع محوه وهذا تفكير مختلف تماما. إذا ظننت أنك لا تستطيع محوه لأنه من صنع آخر وأنك ضحية , ستظل ضحية إلى الأبد.
كيف تطبق هذه النظرية فى الحياة اليومية؟ أحاول فعل شىء مرة ثم مرتين ولا أنجح. فى أعماقى أعلم أن ملاكى الحارس يقول لى: أنت من صنعت هذا الموقف. لكن كيف أوافق على شىء لا ينجح إذا حاولت إنجاحه؟
(ضاحكا…) لأنك تلاحظ عدم نجاحه. تلاحظ أنك تصنع عدم نجاحه, بمجرد أن تجلس وتتأمل وتسأل: لمذا أصنع هذا الشىء وأنا أرى أنه لا ينجح؟ يجب أن أقول لنفسى أنه سينجح بطريقة أخرى… هناك طريقة أخرى مقدرة له. أقول لنفسى لعل إرتقائى الأعلى والأمثل ليس على هذا الطريق. ربما يجب أن أبحث عن سبب إصرارى على إنجاح ذلك الشىء. الحياة البشرية تمنحنا الفرصة لإستكشاف رغباتنا – لماذا أرغب فى هذا الشىء ما دام لا ينجح ؟
نحن جميعا مثلك, ننصت إلى ملائكتنا فنقول: “حسنا, لقد فهمت. هذا لن يحدث لأنه ليس فى صالح إرتقائى فى هذه الفترة لذا سأدعه.” نحن نقول: دعه لله.
أقول فى كتابى “أسعد من الله”, لا تعارض بل ابدع. أى عندما تعارضك الأشياء, ابدع فى ذاتك. لا أعنى بذلك أن تهدأ فحسب بل أن تبدع كما يقوم المرء بوضع الموسيقى. قم بتجديد ذاتك, قم بوضع لحن جديد كما يفعل المؤلف الموسيقى. هكذا يفعل الموسيقار. إنه يجلس ويضع لحن جديد.
هكذا عندما يعارضنى شىء لا أعارضه بل أبدع فى ذاتى. بمعنى أننى أصنع نسخة جديدة لا تعارض الحدث الجارى. أسمح لذاتى باعتناق ما يجرى على أنه الشىء الأمثل, ثم أبحث عما أريد أن أخوضه فى هذا المكان والأوان.
لن أتظاهر بأن ذلك أمر سهل. انا بشر مثل الجميع. عندما تعارضنى الأشياء أشعر بإحباط. أغضب وأفقد صلتى بكل ما شرحته لك توا. (ضاحكا…) لكن ذلك لا يستمرطويلا. بعد فترة وجيزة أتخلص من مشاعرى السلبية. أخرج للتنزه أو أجلس فى هدوء أو آخذ نفس عميق فأعود عادة إلى مستوى أعلى من الوعى. يجب أن أخرج من تفكيرى البدائى الزاحفى إلى عقلى البشرى. إنها عملية رفع الوعى من مستوى ردود الأفعال البدائية زاحفية وهى ردود أفعال مشفرة فحسب إلى ردود أفعال ثديية مبنية على العواطف ثم إلى رد الفعل الآدمى. رد الفعل الآدمى يمكننى من التأمل و التفكير فى مشاعرى وكيفية التعامل مع ما يدور حولى.
الثعبان له رد فعل زاحفى. أنت لا تستطيع إغضاب الثعبان… الزواحف لا تغضب. إنها لا تفرح. إنها ببساطة موجودة فحسب وردود أفعالها مشفرة مسبقا فى ذاكرتها. على الصعيد الآخر فأن الثدييات تغضب. أنت لا تريد إغضاب أسد مثلا. الثدييات تغضب لكنها لا تعرف التأمل الذاتى. الأسد لا يزأر ثم يجلس ويتسائل هل كان رد فعله مبالغ فيه… “ترى هل كان زئيرى أكبر مما يستدعيه الموقف؟ هل كان مبالغا فيه؟” الأسد لا يتسائل “ترى ماذا ستظن عنى بقية الأسود؟”
أما البشر فلديهم القدرة على رد الفعل ثم التأمل الذاتى. وإذا بلغ المرء مستوى روحانى مرتفع يستطيع التأمل ذاتيا قبل أن يفعل أو يقول وقبل أن يطلق الزمام لرد فعل عاطفى. إنه بالتالى يستطيع التحكم فى عواطفه ويستطيع التحكم فى النتائج والتجارب وما يجسده فى حياته طبقا لخيار واع بدلا من تجسيدها لا شعوريا.
أخبرنى مرشدى الروحانى بشىء محير عن الغضب… قال لى أننا عندما نغضب أو نصيح بصوت مرتفع نقوم برفع الذبذبات فتصل صرختنا إلى النطاق الأعلى وإلى الملائكة بشكل أسرع. إنه ببساطة طريق مختصر لجذب الإنتباه, كالطفل – إذا بكى يجذب إنتباه أبويه على الفور.
الغضب هو أحد المشاعر الطبيعية الخمس. مرشدك الروحانى صائب تماما. كبت الغضب أو توجيهه بشكل غير صائب يؤدى إلى نتائج سلبية. الغضب الناتج عن عاطفة مجردة قوى للغاية ويستطيع تحقيق نتائج رائعة وتنقية مجال الطاقة. لكن يجب أن نستخدم الغضب بحذر شديد فالغضب عاطفة قوية للغاية وقد يؤدى إلى نتائج لا نغبها.
الغضب أشبه بالنار. قد يبدل حياتنا إلى الأفضل لكن إذا لم نحسن إستخدامه قد يحرق كل شىء.
ماذا عن “تمثيلية الحياة”؟ الحياة وهم لكننا نراه حقيقة…
26 ابريل 2011
النص: © جيل ديكل. الصور© ناتالى مع جيل ديكل. أجرى هذا الحوار هاتفيا فى 30 أغسطس 2010. نيلى يقيم فى الولايات المتحدة بينما يقيم جيل فى الممكلة المتحدة. حقوق الطبع محفوظة.
الترجمة من الإنجليزية إلى العربية: ايناس فتحى.