جيل: كثير من البشر بعد قراءة كتبك يذهبون ويفعلون شيئا أيجابيا… إنهم لا يعيدون الكتاب إلى الرف فحسب. ما شعورك وأنت تلهم الملايين وتحثهم على الفعل ؟
نيلى: لا أشعر أننى فعلت ذلك, أشعر أنه بفعل الله… لست أتواضع أو أحاول تقديم نفسى فى شكل بسيط مصطنع بل أعنى ذلك حقيقة. لا أشعر أننى ألهمت الملايين بل أدرك بوضوح أن كلمات الله هى التى ألهمت الملايين. أنا جد شاكرلأننى كنت أداة وبأننى صنعت لحظة ولعبت دورا صغيرا فى ذلك.
هل تسمح لى بسؤال غريب؟ ما هى مساوىء التحاور مع الرب ؟
هذا سؤال شيق… لم أجد أية مساوىء. كانت نعمة منذ البداية وحتى اللحظة. لم أتلقى إلا قليل من ردود الأفعال السلبية تجاه ما قدمته للعالم. لم أهاجم سوى بالكلمات من قبل قلة, قلة صغيرة من البشر. لم أجد سوى نتائج رائعة فى حياتى. أشعر أن حياتى أكثر كمالا , أكثر سعادة وأكثر شبعا منذ تجربتى وبشكل يفوق التصور.
كيف يكون الله ؟
إنه النعومة والدفء , محب , مهتم , رحيم , كريم , صبور ومتفهم . إنه يتقبل كلية ويحتضن كلية, غير ملح وغير محتاج. إنه كيان لا يريد لى سوى الأفضل وهو يسخّر كل طاقته وحكمته وقدرته الإلهية من أجلى إذا أردت إكتشاف الأسمى فى ذاتى وعلاقتى بالحياة وجميع من فيها.
أشعر أن الله أعز صديق لى, أكثر الشركاء عونا وسخاء وأكثر المستشارين علما وحكمة فما كنت أتمنى أكثر من ذلك . هكذا يكون الله حسب شعورى. إنه طاقة دائمة تمدنى بالقوة وهبة لا تنقطع فى كل لحظة من حياتى.
هل تغير الله عبر العصور ؟
هذا أشبه بقول أن شخص لا تعرفه قد تغير عبر السنين… لم أكن أعرف الله جيدا قبل الآن… ظننتنى أعرفه لكن تصورى كان عن إله مزيف أو غير دقيق , إله محدود. عرفت الله فقط منذ تجربة “حوارات مع الله”.
لا أستطيع أن أقول إذا كان الله قد تغير أم لا فقد عرفته منذ بداية حوارى معه الذى بدأ قبل 14 عاما. قبل ذلك الحين لم يكن هو الله الذى أعرفه هو الله الحقيقى بل كان الله الذى نتصوره جميعا, وهما أمران مختلفان تماما…
لماذا اسخدم الله الكلمات والكتابة من خلالك بدلا من إستخدام الصور أو المشاعر؟
هذا سؤال جيد… لا أعلم. لا أعتقد أن الله محدد بالكلمات. أعتقد أنه يستخدم الصور والمشاعر وتجارب بأكملها. الله يستخدم الموسيقى وكل ما نراه: السماء ليلا, الوقوف على الشاطىء والإنصات إلى المحيط, الوقوف على قمة جبل ومشاهدة شروق الشمس…
أعتقد أن الكلمات كانت خاصة بتجربتى لأننى كاتب وقد رأى الله أنها ستكون الأكثر فاعلية فى حالتى. أعتقد أن الله يستخدم ما يكون له الفاعلية الأكبر.
كيف يفتح المرء ذاته لله ؟
أود أن أقول أننى منفتح تماما لله هذه الأيام ولا سيما بعد التجارب التى مررت بها. لا أشعر أنها مسألة “إنفتاح” لله بل مسألة عدم إنغلاق. لذا فأنا منفتح امام الله طوال الوقت لكن بصراحة هناك أوقات أنغلق فيها لدقيقة أو أثنين أو حتى 10 دقائق من حين لآخر, بسبب إنشغالى بأمور حياتى اليومية والوهمية, فأبدأ بتصديق أن حياتى حقيقة وليست وهما وهذا غير صحيح.
لذا فقد أنغلق أحيانا أمام وجود الله لمدة قصيرة لكن سرعان ما أعود للتركيزعلى وجود الله من حولى وبداخلى. أحيانا لا أحتاج سوى للنظر من النافذة حتى أرى الله أو ينتابنى إحساس صادق فأعود وأشعر بوجود الله, أحيانا قد أمد شخص آخر بالعون فأشعر أيضا بوجود الله. أنا لا أنقطع عن العمل والكتابة والإجابة على أسئلة القراء على موقعى ونشر مدونتى اليومية. أعمل على توصيل هذه المعلومات إلى الآخرين. وكلما فعلت ذلك استعيد على الفور صلتى بالحضور الإلهى.
هل يمكن للمرء أن ينفتح لله (أو ينغلق) حتى إذا لم يكن يؤمن بوجوده ؟
الإجابة هى نعم . لعلك تذكر ص 3 (ضمن 3000 صفحة من الحوار) حيث يقول الله “إننى أتحدث إلى الجميع طوال الوقت. لا يهم إلى من أتحدث وإنما من الذى ينصت؟” بوسع أى شخص الإتصال بالله سواء كان يؤمن به أم لا. بل فى الواقع, فور أن يبدأ المرء بالتنفس يبدأ التواصل مع الله., وكل نفس بمثابة تواصل مع الله. فور أن يفتح المرء عينيه يبدأ التواصل مع الله فأنت تنظر فى وجه الله عندما تنظر إلى الحياة.
إدراكك لذلك التواصل مسألة أخرى. لكن أحيانا يشعر حتى الذين لا يؤمنون بالله بثمة شىء أكبر منهم. قد لا يسمون ذلك الشىء “الله” لكنهم يشعرون بشىء أكبر منهم كمجرد أفراد. ذلك الكيان, تلك التجربة, ذلك الإحساس الذى ينتابهم هو التواصل مع الرب – سواء أسموه ذلك أم لا.
هناك قول مأثور فى أمريكا: “الوردة تحت أى مسمى آخر لا تزال وردة”. بوسعك أن تسير فى حديقة وأن تستمتع بجمال الورود دون حاجة لمعرفة اسمها. لعلك طفل ولم تتعلم اسمها بعد أو زائر من بلد آخر ولا تعرف كلمة “وردة” لكن ذلك لا يهم. بوسعك أن تسميها أى شىء أو لا شىء لكنها مازالت موجودة… ما زالت وردة.
الله تحت أى مسمى آخر لا يزال الله. لا يهم إذا كنت تؤمن بالله أم لا فهو لن يختفى. الله يظهر فى حياتك فى كل لحظة. سمه ما شئت لكنه موجود.
تحدثت عن المشاعر وكيف تكون قوة تجذب الأشياء إلى حياة المرء. كيف يعمل ذلك ؟
المشاعرعبارة عن طاقة متحركة. تحريك المشاعر يكون كتقليب محتويات الإناء أو هرس البيض. إنه تحريك لطاقة الحياة حتى تبدأ فى الدوران والجذب. إنها تبدأ فى العمل كمغناطيس كالمجرة التى تدور فى الفضاء وتجذب الأجسام الصلبة. هكذا تتكون المجرات. المجرة كيان هائل من الطاقة المتدفقة تجذب المادة وتشكلها.
الشىء ذاته يحدث فى شكل مصغٌر. عندما يقوم المرء ببث مشاعر قوية تجاء شىء ما, تبدأ مادة صلبة فى التكوين. ومن خلال تلك العملية نقوم بصنع ظواهر مادية – سالبة وايجابية. لهذا السبب ينصحنا المعلمين الكبار بالإحتفال بالحياة والفرح بقدر ما تسمح به تجاربنا لأن إستمرارنا فى بث الطاقة السعيدة يصنع ظواهر ملموسة سعيدة.
الذين يتمتعون بمشاعر هادئة يمرون بتجارب هادئة, كالراهب البوذى “تيخ نات هان”, و”الدلاى لاما” و”براماهانسا يوجاناندا” والمعلم “بريماناندا”. هؤلاء يصنعون الطاقة الهادئة بعدة وسائل ولاسيما بالتأمل.
لذا أعتقد أن المشاعر وسيلة فعالة لصنع الظواهر المادية وهذا نبأ سار للغاية أننا نستطيع التحكم فى المشاعر وحتى إفتعالها. يظن الكثيرون أنهم غير قادرون على ذلك وأنهم عبيد لمشاعرهم. لكن المعلمين الكبار يدركون أن المشاعر قابلة للصنع والتحكم فيها وأنهم عندما يصنعون المشاعر ويتحكمون فيها يستطيعون صنع مناخهم الخارجى والتحكم فيه. هذا سر بدأ الكثيرون يدركونه. هذا هو موضوع برنامج وفيلم “السر”.
المعلمون الذين يسيطرون على عواطفهم ويصنعون “الذبذبات” الإيجابية فى حياتهم, هل يؤثرون على الآخرين ؟
بشرط أن يريد الآخرون ذلك. ما من شىء خارجى يستطيع التأثير عليك إلا إذا سمحت له بذلك. إذا كان البشر يختارون السلام ويريدون السلام ولا يعرفون أين يجدونه, فالإجابة هى نعم. الذبذابات أو الطاقة الصادرة من شخص آخر قد تؤثر عليهم بقدر كبير. إذا كان المرء يبحث عن الحب ويختار الحب ولا يجده, فقد تؤثر عليه طاقة الحب الصادرة من شخص آخر. إذا اختار المرء السعادة وأراد حقا الشعور بالسعادة لكنه لا يجدها بقدر كاف فنعم, طاقة السعادة الصادرة من آخر قد تؤثر فيه. لكن حقيقة الكون هى أننا لو لم نختار التأثر فلن تؤثر فينا طاقة الآخرين لأننا جميعا أسياد أنفسنا. كل منا يهيمن علي مملكته الخاصة. لا يستطيع أحد الثأثير أو السيطرة علينا ما دمنا لا نسمح بذلك.
ماذا عن الذين يعانون من الألم – هل يختارون ذلك؟ ماذا عن الجنود اللذين يخوضون الحروب ويتعرضون لكم هائل من العنف – هل يختارون ذلك ؟
على مستوى الإدراك الآدمى وبمفهومنا كبشر كلا بالطبع, ليس جميعهم. لكن بعضهم يختارون ذلك. بعض الجنود يختارون النزاع والنعف والقوة والقتل لتحقيق أطماع من يخدمونهم, سواء كانوا يخدمون حكوماتهم أو قضية ما. البعض يفعلون ذلك لأنهم تعلٌموا أن تحقيق ما يريدون أو الحصول على حق ما يتطلب إستخدام العنف. هناك ثقافات عديدة تعلٌم أن ممارسة العنف والقوة ضد الآخر هى الطريقة الوحيدة للحصول على ما تريد. هؤلاء يؤمنون بعالم لا تحصل فيه على ما تريد إلا بمعارضة الآخرين.
هل ينطبق ذلك على جميع الجنود؟ لا…ماذا عن الجنود الذين لا يؤمنون بذلك؟ على المستوى البشرى فهؤلاء يفعلون ذلك مرغمين.
لابد من فهم أن التجرية البشرية مجزئة, أى يمكن تقسيمها إلى نطاقين. النطاق البشرى والنطاق الروحى. على الصعيد الروحانى قد تسمح الروح لذاتها بخوض تجربة عنيفة من أجل الإرتقاء من روح إلى أخرى كما فى قصة “الروح الصغيرة والشمس”. قد تسمح الروح باستخدامها كشخص يمارس القوة والعنف ضد آخر من أجل إرتقاء روح ذلك الآخر لخلق تفاعل وإبداع مشترك. الروح التى تشفى وتتطهر من سوء المفاهيم والعنف قد تعود فى حياة أخرى وتنتقل إلى شخص يمارس العنف من أجل التقدم بعملية الإرتقاء البشرى أو حتى إرتقاء فرد معين.
إرتقاء البشر والأرواح عملية إبداعية مشتركة لا تتم بشخص أو روح منفردة بل تتم دائما على صعيد تعددى, أى من خلال عملية إبداع مشتركة. الجنود اللذين يزج بهم فى الحرب رغم عدم أيمانهم بالعنف كحل, قد يكونوا جزء من تفاعل مشترك مع أرواح آخرين لصنع ضوء أكبر… لصنع وعى أكبر ومن ثم الإرتقاء بفصيلة البشر إلى مستوى أعلى من الوعى. تجسيد ما هو مخالف لطبيعتنا يكون من أجل الإرتقاء حتى نتمكن من التعبير عن أنفسنا الحقيقية بشكل أعمق.
ما من شىء يمنع البشر من خوض حرب أكثر من الحرب ذاتها. ما من شىء يضع حدا للعنف أكثر من العنف ذاته. لو أنك جربت العنف فى حياتك فأنت تعلم تماما أنك لا تريد تجربته ثانية. علينا أحيانا المرور بما لا نريد من أجل إعتناق ما نريد. هناك أرواح قبلت القيام بأدوار عنف من أجل تحقيق هدف أكبر. هذا هو السبب الروحانى والجسدى لخوض بعضنا التجارب العنيفة رغم عدم رغبتنا فى ذلك على الصعيد البشرى.
لذا من المهم فهم أن تجربة البشر على هذا الكوكب تنقسم إلى جزئين: التجربة البشرية والتجربة الروحانية. المعلمون الكبار يجمعون بينهما فى لحظة من الوعى, فى تعبير واحد عن الوعى. المعلمون يدركون دائما ما يفعلونه وسبب ذلك. لا يوجد تساؤل قط فى أذهانهم. الذين يصلون إلى مستوى مرتفع من الإدراك بعكس المشاركين فى عملية الإرتقاء, هؤلاء يتجنبون أى فعل عنيف كوسيلة لخلق عكس العنف. المعلم لا يدخل الحرب أبدا. المعلم الذى يجمع بين الإدراك البشرى والروحانى لا يخوض المعارك. إنه ببساطة يغادر البلاد أو يترك الجيش أو يرفض, غير مباليا بالعواقب, حتى إذا أعدم رميا بالرصاص بتهمة الخيانة العظمى. إنه يفضل ذلك على ممارسة العنف ضد آخر.
عدد الذين يتمتعون بهذا المستوى من الإدراك ضئيل للغاية. بل حتى الشخص الذى يتمتع بحس روحانى متقدم قد يلجأ إلى العنف, ليس لإنقاذ حياته بل ربما للحفاظ على التجرية الحياتية وحرية إختيار شخض آخر. أعرف أنها إجابة مطولة لكنك طرحت سؤالا صعبا…
مثلا, إذا عاد رجل إلى بيته فوجد دخيل يحاول مهاجمة طفله… هذا الرجل لن يستخدم العنف للدفاع عن نفسه بل يقول للدخيل: لا, لن أمارس العنف ضدك. أفضل أن تقتلنى على أن أمارس ضدك العنف. لكنه إذا شاهد أحدهم يمارس العنف ضد طفله, قد يلجأ للعنف لصالح الآخرين وحماية حرية إختيارهم.
هذا يفسر القصة الشهيرة عن يسوع. قيل أنه أمسك بسوط مصنوع من الدبار المعقود وأخذ يلوح به فى المعبد ليسوق مبدلى النقود خارجا وكان ذلك فعلا عنيفا. لم يكن يسوع مسالما على الإطلاق. أخذ يهرول فى أنحاء المعبد وهو يصيح “اذهبوا أيها الأفاعى المنافقون!” وساق مبدلى النقود خارج المعبد. تلك القصة موجودة فى الكتاب المقدس لسبب. لم توضع فيه عشوائيا, أعدك بذلك. وضعت القصة لتوضيح أن الرجل الذى نعتبره من آوائل المعلمين الروحانيين استخدم اسلوبا غير سلمى من أجل الصالح العام لجنس البشر.
سؤالك معقد للغاية لا يمكن الإجابة عليه فى جملة أو جملتين. هل هناك من يذهبون إلى الحروب دون إرادتهم ؟ أجل. لكن “حوارات مع الله” يتفق مع الكتاب المقدس. يقول كتاب “حوارات مع الله” أنك أحيانا تضطر للتصرف على عكس طبيعتك لكى تكتشف من تكون.
هل تدرك الروح معنى الألم الجسدى ؟…
26 ابريل 2011
النص: © جيل ديكل. الصور© ناتالى مع جيل ديكل. أجرى هذا الحوار هاتفيا فى 30 أغسطس 2010. نيلى يقيم فى الولايات المتحدة بينما يقيم جيل فى الممكلة المتحدة. حقوق الطبع محفوظة.
الترجمة من الإنجليزية إلى العربية: ايناس فتحى.